السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
إنه جو مهيب عندما تكونين في حضرة الكسوة الشريفة ومصاحف خُطت يدوياً وتعود إلى القرن 15، ومن خلفها، صُفت بعض المصابيح التي كانت تزين المساجد وبيوت علية القوم في العصور الإسلامية القديمة. كان شعوراً هو خليط بين الإنبهار والتقدير الفني لأيادي الفنانين والحرفيين والخطاطين العظام الذي عاشوا في عصور تبجل العقيدة وتعمل بإخلاص العابد المتفاني الصبور.
لم تكن زيارتي تلك إلى متحف وطني أو جامع، وإنما كانت لمكان عُرضت فيه تلك القطع الفنية والكثير من اللوحات الأخرى والأنتيك في صالات جاليري الإتحاد بأبوظبي. هناك، يتعرف الزائر إلى المكان المفتوح للعامة على حقيقة إن إمتلاك جزءاً من كسوة الكعبة الشريفة ليس حلماً، بل حقيقة لمن يمتلك ثمنها. فقد خُصصت إحدى صالات الجاليري لعرض مقتنيات من عالم فنون الإسلام الواسع، الفون التي أنتشر في كافة البلاد الإسلامية من المشرق إلى المغرب، كما نُقل بحرفيه لتساهم في تكوين نسيج فنون العالم الآخرى، ومن ثم أصبح الآن محفوظاً في أهم متاحف العالم الفنية والتاريخية.
لقطع أنتيك الفن الإسلامي قيمة روحية بالإضافة إلى القيمة الجمالية، وكما لها مكانة مهيبة في المجتمع الإسلامي، فإن لها قيمة فنية توازيها. ففي جاليري الإتحاد في أبوظبي الذي عمل على إنشائه السيدين خالد صديق ومحمد خليل في العام 2004، حرصا على جمع القطع النفيسة من الفن الإسلامي والفنون الأخرى على مدى أعوام طويلة لتكون ضمن مجموعة واسعة متاحة ليست فقط للبيع وإنما للإستمتاع بإستكشافها من قبل الجميع
كسوة الكعبة
جزء من كسوة الكعبة
طراز فريد لكسوة الكعبة
يعود تاريخ كسوة الكعبة المعروضة في صالة فنون الإسلام إلى العام 1263 هجرية، والتي كانت تزين باب الكعبة الشريفة، وقد خيطت بأمر من السلطان العثماني محمود خان، وتم العمل عليها في مشغل في مصر بخيوط من الفضة والذهب. وما يميز هذه الكسوة أنها مزينة بألوان عدة، كالأخضر والأحمر، على عكس اللون الأسود المشغول بخيوط الذهب والفضة المعتمد للكسوة في الأزمان الحديثة، وقد خطت بأسماء الله الحسنى وبإسم الله الرحمن الرحيم، وسورة الفاتحة وسورة قريش وغيرها من الكلمات القرآنية المباركة. يبلغ وزن هذه القطعة من الكسوة 150 كيلوغراماً. ومن الجدير بالذكر أن كسوة بيت الله في مكة المكرمة تُغير كل عام وهي في العادة تُهدى من قبل المملكة السعودية إلى المتاحف وبيوت العلم والأشخاص ذوو المكانة العالية. ولا يُعد جاليري الإتحاد المكان الوحيد الذي يمكن إيجاد أجزاء من الكسوة الشريفة فيه، فهنالك مجموعة منها معروضة هنا وهناك، ومنها ما هو معروض في جاليري بركات في فندق قصر الإمارات في أبوظبي أيضاً.
المصابيح الإسلامية
مصابيح زجاجية
من أهم الصناعات الإسلامية في العصور المزدهرة، كانت صناعة المصابيح الإسلامية الزجاجية، وكانت تُخط بأجمل الخطوط العربية مثل خلط الثلث والرقعة، وكانت تُصنع بطريقة الزجاج المنفوخ، وقد حوت القاعة على مجموعة ثمينة من هذه المصابيح، إثنان منها كانت زوج من المصابيح بلون الزجاج الأصفر الباهت، خُطت بالآيات الكريمة، وهي صناعة فرنسية من الطراز المملوكي، صُنعت في أوائل القرن العشرين.
القرآن كاملاً على قميص محارب من الهند
قميص القرآن الكريم
من أغرب المعروضات في القاعة، كان قميصاً لأحد المحاربين في الهند، يعود للقرن التاسع عشر، خُط عليه القرآن الكريم كاملاً. وكانت الكتابة منمنة لا تُقرأ بسهولة بالعين المجردة، وفي نفس الوقت تم تصميمه بشكل فني، حيث أُطرت أطرافه بخطوط لأسماء الله الحسنى والآيات المباركة. وقد أستخدم هذا القميص القُطني مثل الحصن والحماية الإلهية أثناء خوض المعارك. كما عُرض في القاعة مجموعة نفيسة من المصاحف العثمانية والقاجائية التي توارثتها الأجيال، وكذلك أوراق من المصاحف بالخط الكوفي غير المنقط، وأجزاء من المصحف تعود إلى العهد المملوكي في القرن الخامس عشر.
الحلية الشريفة المطرزة بالصدف على ظهر السلحفاة
روعة الحلة الشريفة
لابد من التوقف عند تلك اللوحات الضخمة المشغولة بقطع الصدف على ظهر السلحفاة! كانت مزينة بكلمات في مديح وذكر صفات الرسول (عليه الصلاة والسلام)، حيث كانت تتبارك بها البيوت. وتبرز روعة الفنانين الذين عملوا على صقل العديد من قواقع السلاحف للحصول على خامات بأشكال مختلفة، ومن ثم حُفرت عليها الكلمات بخطوط متقنة تم تطعيمها بالصدف. عمليات أستغرقت أشهر بالعمل عليها وإظهارها بهذا الشكل البهي.
قسم فنون الإسلام في الجاليري
تحف إسلامية فريدة
في زاوية أخرى من الصالة، عُرضت محافظ ضخمة للقرآن الكريم، تلك المحافظ صُنعت أيضاُ
بأيدي فنانين مهرة من تركيا وسوريا، وهي من الخشب المطعم بالصدف على طريقة عمل الأرابيسك. وتعود تلك المحافظ إلى بداية القرن العشرون، وكانت تُحفظ في الجوامع والقصور الكبيرة. ومن مقتنيات الجاليري، بعض أواني الطهي المعدنية من القرن الخامس عشر، والتي أيضاً حُفرت عليها آيات وكلمات مباركة. بالإضافة إلى شمعدان من العصر السلجوقي يعود إلى القرن السادس عشر.
هذه الجولة شجعتني على زيارة المكان والتمعن بالنظر في تلك القطع الفنية الموثقة بجميع تفاصيلها، كونها تشكل مرجعاً للمهتمين بالفن والتاريخ، ومتعة تنقل المشاهد إلى عوالم أخرى.