منذ بضعة أيام شاهدت لقاء تلفازيّا مع مدير لمؤسسة حيويّة في إحدى الدول العربية ، بسبب فوزها بدرع التميز والإبداع في العمل .
وممّا أثار اهتمامي في اللقاء أنّ مدير هذه المؤسسة لم يتكلم أبدًا عن نفسه ، ولم يفخر بإنجازاته ، وإنّما عزا هذا التميّز إلى الموظفين الذين يعملون معه ، وأشاد بهم وبتفانيهم في إتقان العمل .
وفي الحقيقة إنّ هذا الموقف الرائع من مدير هذه المؤسسة أكّد لي أنّ تميّز هذه المؤسسة يعود إلى نجاحه الباهر في قيادته لموظفيه ، وحسن تعامله معهم .
واستلهامًا من هذا الموقف تحضرني صور لنماذج من البشر مبدعة معطاءة في المكان الذي شاء الله أن تكون فيه ، غير أنّها لا تحظى بشيء من التقدير ، ولا تعزّز ولو بابتسامة أو بكلمة طيبة .
فكم من أم تتعب وتتفانى في خدمة أبنائها ، لا تسمع منهم كلمة تشعرها بالرضا ، وتجدهم ينكرون فضلها ، ويطلبون منها المزيد ، وكم زوجة تقدّم أقصى ما في وسعها لإرضاء زوجها ، لا تجده يعترف بشيء مما تقدّم ، وتنتظر أن يمدح شيئًا مما تفعل ، ولكنها لا تجد ، وكم من زوج يكدح من أجل أسرته ، ويتحمّل مصاعب الحياة ، ولا يجد من زوجته سوى التذمَر وعدم الرضا ، ومطالبته دومًا بالمزيد .
وكم من موظف مبدع لا يعترف رئيسه بإبداعه ، ولا يسمع منه كلمة تعزّز هذا الإبداع ، وكثيرون هم المبدعون الذين يعملون بدأب وتفان ، ولا يجدون ما يستحقون من الثناء والتقدير .
وإذا جاز لي أن أقيّم هذا الواقع أقول : إذا كانت هذه النماذج الرائعة من البشر تقدّم كلّ هذا العطاء ، وهي لا تحظى بالتقدير الذي يليق بها ، فماذا يمكن أن تقدّم ، لو حظيت بشيء من التقدير ؟.
لا شكّ أنّها ستعطي أكثر ، وتبني مجتمعاتها بصورة أمثل ، ستصبح شعلة دائمة من البذل والعطاء ، وتكون قدوة لكل من أراد أن يبني مجتمعه وينهض به .
وبعد هذا أفلا يجدر أن تُمنح حقّها من التقدير ، الذي يؤجّج فيها الإحساس بروعة الإنجاز؟ .
د. حنان أبو لبدة
قسم اللغة العربية
كليتا الآداب والتربية بأبها /جامعة الملك خالد
موقع تربيتنا