قوم بواجبي..مقال تربوي بقلم/ د. حنان أبو لبدة
كم من مواقف للبشر ، تثير تساؤلنا ، ونعجب منها كلّ العجب ، ونحدث أنفسنا بالأسباب التي دعت هؤلاء الناس إلى ممارستها ، والإصرار عليها .
كأن نجدهم يعملون بجدّ ، في كلّ مكان يمكثون فيه ، ويتقنون أعمالهم ، شعارهم في ذلك ( إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) ، وفجأة تتبدّل أحوالهم وأفعالهم ، ويفقدون حماسهم للعمل ، ونجدهم ينجزون أعمالهم بإهمال وتباطؤ ، دون إتقان ، وبالتدريج تصبح أعمالهم كلّها مشوبة بالنقص والتقصير .
ويصبح حالهم كحال البشر الذين جعلوا التقصير منهجًا لحياتهم ، في أيّ عمل يسند إليهم ، إلى الحد الذي يحدث كوارث من حولهم ، بسبب هذا التقصير .
ولو سألنا هؤلاء الناس ما الذي جعلهم يتحولون من الإخلاص والتفاني في العمل ، إلى التقصير والتراخي في إنجازه ؟ ، نجدهم يعللونه قائلين : أمضينا سنين طوال من عمرنا ونحن نعمل بجدّ وإتقان ، وتفان وتعب ، ومعظم الناس من حولنا يقصّرون في أعمالهم ونقوم في كثير من الأحيان بإنجاز تلك الأعمال ؛ حتى نصلح الخلل ، وننجز الأعمال كما ينبغي ، محاولين دومًا إصلاح أخطاء المقصّرين من حولنا ، غير أنّ هذا العمل أرهقنا ؛ لأننا ننجز أعمالنا وأعمال غيرنا.
ومهما حاولنا الإصلاح نجد التقصير يعمّ وينتشر ، وطاقتنا لا تقوى على تجاوزه ، ووجدنا أعمالنا لا تصلح التقصير والفساد المتفشّي من حولنا ، كلّ ذلك تسبّب في إحباطنا ، وأُطفئت جذوة الحماس للعمل في قلوبنا ، وصرنا بمرور الوقت كغيرنا ، ننجز أعمالنا بإهمال .
وعندما سمعت ما ذكروه حضرتني صورة ذلك العصفور الصّغير ، وما فعله عندما احترقت الغابة التي يعيش فيها ، فبعد أن شبّت النار في غابته ، غادرتها كلّ الحيوانات والطيور التي تعيش فيها ، إلّا هذا العصفور ، راح ينقل الماء بمنقاره ؛ ليطفئ النار ، فمرّ به غراب ، وقال له : ماذا تفعل؟ هل تظنّ أنّ قطرات الماء التي تحملها ستطفئ الغابة ؟ ، ردّ قائلًا : أنا أعلم أنّها لن تطفئ الغابة ، ولكنّي أقوم بواجبي ، ولديّ أمل بعودة رفاقي لإنقاذ غابتنا .
ومن هنا أهمس في آذان كلّ المخلصين المتقنين لأعمالهم ، المبتغين رضا الله لا رضا البشر : بِكُمْ تعمر الأرض ، وبعطائكم تنهض مجتمعاتكم ، وينبغي أن لا يثنيكم انتشار الخلل والتقصير من حولكم عن إخلاصكم ، ولن يكون هذا العصفور الصّغير أكثر ثقة بنفسه ، وأكثر قدرة على العطاء منكم ، يا مَن تتطلّع أمّتكم إلى الخير المنبثق من أياديكم ، كونوا منارة لكلّ من أراد أن يزرع بذرة للخير في أيّ مكان شاء الله له أن يمكث فيه .
د. حنان أبو لبدة / قسم اللغة العربية
كليتا الآداب والتربية بأبها جامعة الملك خالد
موقع تربيتنا